[rtl]منظومة الحِلم [/rtl] [rtl]الحِِلم– الكظم – الصبر – الصفح – الصفح الجميل - العفو[/rtl] [rtl]هذه الكلمات تتناول منظومة حُسن الخُلُق. قمة ما يتمناه العبد يوم القيامة أن يُبعث في زمرة حسن الخلق. وما من شيء أثقل في ميزان العبد من الخُلُق الحسن وصاحب الخلق الحسن ليبلغ بحسن خُلقه درجة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر. وفي الحديث الشريف :" الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد والخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل". وما مدح الله تعالى نبيّاً كما مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم). والحِلم بكسر الحاء قمة حسن الخلق. إذا بلغ العبد مرحلة أن يكون حليماً فقد جمعت له كل عناصر حسن الخلق وهي عديدة واذا بلغ مرحلة حسن الخلق فقد بلغ مرحلة كمال الخلق الحسن وقد قال الامام علي رضي الله عنه الحِلم سيد الأخلاق. وعلى الانسان أن يتصف بصفات وأوصاف يتدرج فيها صعوداً إلى أن يصير حليماً ولهذا مدح الله تعالى ابراهيم عليه السلام (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) هود) بل إن الله تعالى وصف نفسه بأنه غني حليم، عليم حليم وشكور حليم وكل واحدة من هذه الصفات تعني مفصلاً معيناً.[/rtl] [rtl]الصبر: أول مراحل حسن الخلق الصبر (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) البقرة) والصبر هو حبس النفس عن المصيبة من موت أو مرض أو قتل أو مصيبة أو زلازل وطوفان ويتدرج الصبر في كثير من القضايا حينئذ نقول أن الصبر هو أول مراحل الصعود الى حسن الخلق الكامل الذي هو الحِلم. والكلام عن الصبر يطول وبعد أن جعل تعالى الصبر على المصائب عاد وجعله عن المصائب الناتجة من الغير كالصبر على الاعتداء المادي وهناك اعتداء مادي واعتداء معنوي (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) الشورى).[/rtl] [rtl]كظم الغيظ: بعد الصبر العام وبعد كون الانسان صابراً يتدرج لأن يكون كاظماً لغيظه. أن تصبر على رجل أساء اليك وتبدي غضبك فهذا أمر والأعلى من مجرد الصبر أن تكظم غيظك (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ (134) آل عمران). اعتدى عليك أحدهم بالشتم أو السب أو الطعن في العرض فغضبت غضباً شديداً حتى صار غيظاً لكنك كظمته كما تكظم فم القِربة حتى لا يسيل الماء منها فهذا أعلى من الصبر لأن الصبر قد يصاحبه ابداء للغضب أو شكوى من الذي أغاظك أما كاظم الغيظ فهو لا يبدي غضبه أبداً.[/rtl] [rtl] العفو: الصبر أولاً ثم كظم الغيظ والأعلى منهما العفو وقد تكظم غيظك لكن تشتكي على الذي آذاك (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) واو العطف في الآية تدل على أن المعطوف غير المعطوف عليه. وكل هذه المراحل فيها آيات وأحاديث عديدة عجيبة.[/rtl] [rtl]الصفح: الأفضل من العفو هو الصفح . والصفح هو العفو بلا تأنيب (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة) لمّا تعفو قد تعفو وتؤنّب أما الصفح فهو أن تعفو بلا تأنيب نهائياً الصفح الجميل والأعلى منه الصفح الجميل وهو بالاضافة إلى الصفح فيه عطاء للذي أساء إليك تصبر وتكظم غيظك وتعفو وتصفح ثم تحسن إليه بعطاء (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[/rtl] [rtl] والصفح الجميل هو الاحسان وكان الامام جعفر الصادق إذا أخطأ أحد عبيده أعتقه ومن شدة حلمه كان يطمع فيه الخدم.[/rtl] [rtl]الحِلم: الحِلم هو أن لا تغضب في نفسك أو في العَلَن .الحليم لا يكون في نفسه أي غضب على من أساء إليه وهذه قمة الانسانية ولا نجد الكثيرين من هؤلاء (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران). والكل يعلم حِلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ظهر جلياً في فتح مكة حين قال :"اذهبوا فأنتم الطلقاء" وليس في قلبه شيء من الغضب على أهل مكة الذين أخرجوه وعذبوه هو وأصحابه. وممن عُرف بالحِلم علي بن أبي طالب والأحنف بن قيس وعمر بن عبد العزيز. والحليم لا يغضبه شيء إلا الاعتداء على حرمات الله تعالى ولا يكون الحليم حليماً إلا وقد مرّ بعدة صفات ومواصفات من منظومة حسن الخلق فكل حليم صابر كاظم لغيظه عفو يصفح عن الناس لكن قد يكون الانسان صابراً ولا يكون حليماً فالحِلم جماع الخلق الحسن ومن بلغ مرحلة الحِلم فقد فاز ولهذا قال الإمام علي بن أبي طالب: الحِلم سيد الأخلاق. والحِلم لا يكون إلا مع القدرة لأن غير القادر إذا حلم فحلمه يسمى جبناً. والله تعالى هو الغني الحليم والعليم الحليم. قد يكون الانسان حليماً على غيره لكنه جاهل بوقائع الأمور ومدى تعدي المجرم فيسكت لكن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ومع هذا فهو حليم على عباده فالرجل الذي قتل مئة نفس الله تعالى وحده يعلم مدى جرم هذا الانسان ومع هذا ومن حلمه سبحانه وتعالى غفر للقاتل بمجرد أن تاب واستغفر ربه فتاب الله تعالى عليه. وملوك الأرض عندما يكونون على حلم تنقاد لهم شعوبهم طواعية عندما سُئل الأحنف بن قيس لم أنت حليم هكذا؟ قال: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال. وشدة الحلم أعظم درس في التربية.[/rtl] [rtl]حِلم الله تعالى:[/rtl] [rtl]رب العالمين القوي الجبار المتكبر يستر ذنوب عباده مهما بلغت ويأخذ عبده المذنب يوم القيامة في كنفه فيسأله ألم تفعل كذا في الدنيا وسترتها عليك؟ فيقول العبد أجل يا رب فيقول سبحانه وأسترها عليك وأغفرها لك اليوم وهو تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فكم يذنب المرء وكم تحدثه نفسه بالمعاصي والشهوات ومع علم الله تعالى بكل هذه الأحاديث لا يحاسب عليها إلا أن يفعلها الانسان وحتى لو فعلها ثم تاب واستغفر ربه يغفر الله تعالى له.[/rtl] [rtl]ومن حلم الله تعالى حلمه على فرعون الذي ادعى أنه الإله ومع هذا أرسل الله تعالى له نبيين وأوصاهما بأن يقولا له قولاً ليناً.[/rtl] [rtl]ومن حلمه تعالى أنه لو بلغت ذنوب العبد ما بلغت يغفرها الله تعالى له كما جاء في الحديث القدسي " عبدي لو جئتني بقراب الأرض خطايا جئتك بقرابها مغفرة" فبمجرد أن يكون الانسان موحداً يغفر الله تعالى له (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). والمشرك هو الذي يخرج نفسه من دائرة الانسانية فكل المخلوقات التي خلقها الله تعالى تسبح له والانسان الذي أسجد تعالى له ملائكته وأعطاه عقلاً استنباطياً فكفر بالله تعالى يكون من العدل أن لا يغفر الله تعالى له لأنه أخرج نفسه من دائرة الانسانية التي كرّمه تعالى بها ودخل في بهيمية.[/rtl] [rtl]ومن حلمه سبحانه وتعالى أنه يبدل السيئات حسنات فإذا تاب المذنب يبدل الله تعالى سيئاته حسنات.[/rtl] [rtl]ومن ستر الله تعالى على العباد أنه لو فضح كل ذنب لما سلّم أحدنا على الأخر ولما صلّى أحد على جنازة أحد فالله تعالى يحب الستر ويحب الستارين الذين يسترون على عباده ويكره الذين يتتبعون عورات الناس ويفضحونهم فهؤلاء يتتبع الله تعالى عوراتهم ويفضحهم يوم القيامة.[/rtl] [rtl]كل اسم من أسماء الله الحسنى له سرٌ (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) الاعراف) ادعوه بها بمعنى اعبدوه بها وقد ثبت أن كل انسان يفتح الله تعالى عليه باسم من أسمائه الحسنى حسب الحالة وعلينا أن نداوم على ذكر الله تعالى باسم من أسمائه كل حين ونرى أي الأسماء هي التي فتح الله تعالى على كل منا بها. وقال العلماء أنه من اتخذ وِرده الحليم (يا حليم يا حليم) زيّنه الله تعالى بالحلم وإذا اتخذه رئيس القوم اتصف بالحلم. ومن ذكر الله تعالى بهذا الاسم عند جبّار وقت غضبه سكن غضبه وإذا كان يعاني من مرض نفسي أو متاعب يزول ما به من حدة وشدة وهمّ. ويقول العلماء أنه من ذكر الله تعالى بالحليم الرؤوف المنّان ما ذكره خائف إلا أمِن.[/rtl] [rtl] الخطوات التي توصل إلى الحِلم:[/rtl]
- [rtl]أن تكون طلق الوجه.[/rtl]
- [rtl]أن تعود نفسك على أن تسلّم على الناس.[/rtl]
- [rtl]أن تكون رفيقاً.[/rtl]
- [rtl]أن تيسّر على الناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بعثتم ميسرين لا معسرين.[/rtl]
- [rtl]أن تكون هيناً ليناً سهلاً (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).[/rtl]
- [rtl]عدم التهاجر فلا يكون حليماً من يهجر أحداً.[/rtl]
- [rtl]أن لا تروّع أحداً في حياتك "من أخاف مسلماً أخافه الله تعالى يوم القيامة".[/rtl]
- [rtl]أن لا تغتاب أحداً في حياتك.[/rtl]
- [rtl]أن تكون سخياً معطاء جواداً.[/rtl]
[rtl]قالوا في الحِلم:[/rtl]
- [rtl]من حلِم ساد. سئل الأحنف بن قيس بم سدت قومك؟ قال وجدت الحِلم أنصر لي من الرجال.[/rtl]
- [rtl]لا سؤدد مع الانتقام فمن انتقم فقد شفي غيظه فلا يجب حمده.[/rtl]
- [rtl]من حلِم ساد ومن عفا عظم ومن تجاوز استمال القلوب إليه.[/rtl]
- [rtl]شدة الحلم تزيد في العمر استناداً لقوله تعالى (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فالحليم يطول عمره لأن الغليان والحقد يقصر العمر أما الحليم فيبقى صحيح الجسم ويطول عمره.[/rtl]
|